قال صندوق النقد الدولي أن جائحة كورونا قد أوقدت شرارة أسوأ أزمة عالمية منذ الكساد الكبير الذي عصف بالعالم في ثلاثينيات القرن الماضي، وتوقع أن تؤدي إلى انكماش الاقتصاد العالمي بنسبة 3٪ هذا العام بدلاً من التوسع الذي كان متوقعاً بنسبة 3.3٪ قبل أن تلقي الجائحة بظلالها الثقيلة على الاقتصاد العالمي وتعيق نموه وتقدمه. يخضع أكثر من نصف سكان العالم لإجراءات عزل صارمة، في حين انخفضت مؤشرات السوق بنسبة تصل إلى 35٪، وارتفت معدلات البطالة لنسب غير مسبوقة، واجتاحت موجة إفلاس عارمة العديد من الشركات. وفي ضوء هذه الظروف، نتوقع خروج قلة قليلة من الشركات سالمة من هذه الأوضاع المتردية، ونرجح انهيار العديد من الشراكات

وقال الشريك الاستشاري في “إصرار” العقارية كريس غراهام نحن نعلم أن سوق العقارات في المملكة العربية السعودية له خصوصيته في ضوء سعي المملكة إلى تعزيز نسبة ملكية المواطنين السعوديين للمنازل لتصل إلى 70٪ بحلول عام 2030، حيث تدعم الحكومة السعودية بشكل استباقي العقارات كمحرك رئيسي لتنويع الاقتصاد ، وكذلك كآلية لتلبية احتياجات السكان المتزايدة، ومن المتوقع أن يسهم ذلك في سرعة التعافي وزيادة العرض والطلب

واوضح غراهام انه ستنخفض مبيعات وأسعار العقارات السكنية (وخصوصاً في الأسواق العالمية) بفعل استمرار الاجراءات الاحترازية للتباعُد الاجتماعي. وفي إطار جهودها للاستجابة للتغيرات التي فرضتها الأوضاع الراهنة، قامت الوكالات العقارية بتغيير طريقة عملها التقليدية حيث يصعُب حالياً أن يتوجه الوكيل العقاري بصحبة المُشتري لاستعراض الوحدة التي يرغب بشرائها. عوضاً عن ذلك، تستخدم الوكالات حالياً تقنيات الاتصال عن بُعد والعرض الافتراضي للوحدات. وقد أصبحت المبيعات عبر الانترنت أكثر رواجاً مما يفرض على المطورين العقاريين التأقلم مع تغيرات الأسواق (حيث تمَّ بيع 77 شقة في سنغافورة مؤخراً بتقنيات التواصل الافتراضي)، إلا أنَّ هذه التقنيات لا يمكن أن تشكل بديلاً عن العرض الفعلي للوحدات. إنَّ معظم المطورين العقاريين لا يستطيعون الانتظار وعدم فعل شيء ريثما يعاود القطاع العقاري نشاطه المعهود، ولذلك بدأ العديد من المطورين بالتحضير ووضع الاستراتيجيات لمرحلة ما بعد (كوفيد-19)

ومع تأثُّر أسواق الاستثمارات حول العالم بالأوضاع الراهنة، يُرجِّح الخبراء توجه المستثمرين نحو القطاع العقاري الذي يُعتبر أكثر استقراراً. ستشهد أسعار العقارات السكنية ضغطاً يدفعها للهبوط على المدى القريب والمتوسط (بشكلٍ خاص في الأسواق التي تشهد فائضاً في المعروض) يتراوح بين 10-15% (يُذكر أنَّ نسبة التخفيضات في الصين وصلتْ إلى 25% في ذروة تفشي الجائحة)

كما أن أكثر من 50٪ من مشاريع المنتجعات الفندقية الموسومة بعلامة تجارية الجديدة اليوم تتضمن وحدات سكنية، لذلك يقوم المستثمرون والمطورون باختيار شركات الإدارة الفندقية ليس فقط بناءً على خبرتها في تشغيل الفنادق، ولكن أيضاً بناءً على خبراتها وإمكاناتها في تقديم الخدمات للمشاريع السكنية. كما تتزايد المنافسة التي يفرضها حضور العلامات التجارية غير الفندقية التي تمتلك رخصة للمشاريع السكنية الفاخرة، مما يؤدي إلى زيادة التركيز على التسويق الاحترافي لضمان إبراز الميزات المعيشية والاستثمارية التي تتيحها شركة معينة وإقناع المشترين بتفوق الشركة على منافسيها

كما يجب الأخذ بعين الإعتبار عامل النقل الجوي، حيث تبدو توقعات أداء لشركات الطيران العالمية سلبيةً إلى حد ما، خاصةً في ظل قيام العديد منها بتخفيف عدد موظفيها بشكلٍ كبير، بينما تسعى شركاتٌ أخرى للحصول على دعمٍ حكومي لإنقاذها من الانهيار. ويؤدي انخفاض عدد شركات الطيران إلى انخفاض حركة النقل الجوي إلى العديد من الوجهات، ولذلك من المرجح أن ترتفع أسعار التذاكر في الفترة القادمة، كما أن متطلبات التباعد الاجتماعي (على سبيل المثال: إزالة المقاعد المتوسطة في الطائرات) ستقلل من سعة الطائرات، وبالتالي ستزيد من التكلفة، ومن ثم تأتي الضرائب البيئية على الرحلات الجوية التي رفعت الأسعار بشكل كبير، فضلاً عن التكاليف المترتبة على تطبيق الإجراءات الإضافية للنظافة في المطارات

إن هذه العوامل مجتمعة ستؤثر على أسواق العقارات (لا سيما شراء المنازل خارج البلاد)، حيث ستتضاعف تكاليف السفر وتزداد صعوبة نقل الأسرة إلى وجهة بعيدة مرتين أو ثلاث مرات في السنة. ومن المتوقع أيضاً أن تشهد الفترة المقبلة موجة مناهضة للسفر “غير الضروري” لمسافات طويلة وذلك بهدف حماية البيئة، الأمر الذي سيجعل المشترين يعيدون النظر في شراء منازل أخرى في مواقع بعيدة ويتوجهون لشراء المنازل في مناطق أقرب إليهم، بينما يجب على الشركات البحث عن طرق جديدة تضمن مطابقة منتجعاتها للمواصفات البيئية المطلوبة، وتخفيض البصمة الكربونية وذلك لنيل استحسان المسافرين المهتمين بحماية البيئة